سياسة الباب المفتوح وسياسة الباب الدوار

الدكتور مؤيد السالم

هذه الثنائية ليست مجرد مقارنة بين أسلوبين إداريين، بل هي تصوير لفلسفتين متناقضتين في التعامل مع رأس المال البشري. واحدة تبني الثقة، والأخرى تستنزف الولاء.

دعونا نبدأ بأساس الثقة.

أولاً: سياسة الباب المفتوح – فلسفة الثقة والشفافية

إن سياسة الباب المفتوح (Open-Door Policy) ليست مجرد قاعدة إدارية، بل هي رمز لتصميم المنظمة على بناء بيئة عمل شفافة ومتاحة. إنها تقوم على مبادئ جوهرية:

• الوصولية (Accessibility): ضمان أن الموظفين يمكنهم الوصول إلى مديريهم لمناقشة الأفكار أو المخاوف دون خوف.
• الاستماع الفعال (Active Listening): التركيز على فهم مشاكل الموظفين، وليس فقط الاستماع إليها، مما يرسخ الشعور بالتقدير.
• بناء الأمان النفسي (Psychological Safety): خلق مناخ يشعر فيه الموظف بالأمان عند التعبير عن رأيه أو الاعتراف بالخطأ، مما يشجع على الابتكار والتعلم.

في السياق العربي، حيث تلعب الهرمية واحترام السلطة دوراً كبيراً، يقع على عاتق المدير العربي مسؤولية كسر الحواجز التقليدية، وإثبات أن سياسة الباب المفتوح هي استثمار في الثقة والولاء، وليست دعوة لتجاوز الحدود.

ثانياً: سياسة الباب الدوار – قراءة نقدية للعلل التنظيمية

هنا ننتقل إلى القراءة الأعمق والتي تتجاوز المفهوم البسيط لدوران الموظفين. إن سياسة الباب الدوار (Revolving-Door Policy) بهذا المعنى ليست نتيجة طبيعية، بل هي مؤشر على علل هيكلية خطيرة:

• تغيير الوجوه مع الإبقاء على النهج:

هذا هو فشل ذريع في التعلم المؤسسي (Organizational Learning). المنظمة التي لا تتعلم من أخطائها هي منظمة محكوم عليها بالفشل. عندما يتم استبدال الأفراد دون مراجعة أو تغيير الأسباب الجذرية التي أدت إلى فشلهم، فإننا نكرر نفس الأخطاء مع وجوه جديدة، مما يحول المؤسسة إلى حلقة مفرغة من الاستنزاف.

• شجب الفعل مع العفو عن الفاعل:

هذه الممارسة تضرب في الصميم مبدأ العدالة التنظيمية (Organizational Justice). إنها تقوض الثقة في الإدارة، حيث يرى الموظفون أن القرارات لا تُتخذ بناءً على المبادئ، بل على المصالح والتحالفات. هذا يؤدي إلى تفشي ثقافة النفاق المؤسسي، حيث يختلف القول عن الفعل، وتختلط معايير تقييم الأداء.

• إغاثة الضحية مع تمكين الظالم:

هذا المفهوم يشير إلى وجود قيادة سطحية أو استعراضية (Performative Leadership). يُعلن عن التغييرات والإصلاحات بشكل علني لتهدئة الرأي العام، بينما يتم في الكواليس مكافأة أو تمكين المتسببين في المشكلات. هذا السلوك يخلق بيئة من انعدام الأمان، حيث يشعر الموظفون أنهم قد يُضحى بهم في أي لحظة.

• وعد بالإصلاح لتمرير المصالح:

وهذا هو أخطر أشكال سياسة الباب الدوار، حيث يصبح "دوران الموظفين" أداة استراتيجية للخداع. يتم استخدام الوعود بالإصلاح كستار دخان لتمرير أجندات ومصالح خاصة لا تخدم المنظمة ككل. بدلاً من أن يكون الدوران نتيجة، يصبح وسيلة لتحقيق أهداف خفية.

ثالثاً: المدير العربي بين الفلسفتين

يقع المدير العربي في نقطة التقاء هذه المفاهيم. عليه أن يدرك أن نجاحه لا يقاس فقط بالأداء المالي، بل بقدرته على بناء ثقافة مؤسسية تتسم بالثقة والعدالة. إن الفجوة بين سياسة الباب المفتوح (التي تعد بالثقة) وسياسة الباب الدوار (التي تزرع الشك) تتسع عندما لا يجد الموظف صوتاً مسموعاً، أو عندما يرى أن القرارات لا تخدم سوى فئة معينة.

في الختام:

إن مهمتكم أيها الباحثون تتجاوز الوصف. أدعوكم إلى التفكير في هذه الظواهر بشكل نقدي وطرح أسئلة بحثية جديدة:

• ما هي العلاقة بين الثقافة المؤسسية العربية وانتشار ظاهرة "إغاثة الضحية مع تمكين الظالم"؟
• كيف يمكن للمديرين العرب بناء ثقافة المساءلة في بيئة يسودها أحياناً غياب المساءلة؟
• ما هو الدور الذي تلعبه القيادة الأخلاقية في إغلاق الباب الدوار وفتح الباب الحقيقي للإصلاح؟

أتمنى أن تكون هذه المقالة بداية لإثراء أبحاثكم في هذا المجال.

الخميس 4-09-2025